غزوان مصري - خاص ترك برس
بعد أكثر من عقد على اعتماد نظام “الحماية المؤقتة” كإطار قانوني لإدارة وجود ملايين السوريين في تركيا، يدخل هذا الملف اليوم مرحلة مفصلية جديدة، فرضتها تحولات سياسية في سوريا، وضغوط اقتصادية داخل تركيا، وتغيرات واضحة في فلسفة إدارة الدولة لهذا الوجود.
لم يعد السؤال المطروح: هل ستتغير سياسات الحماية المؤقتة؟ بل أصبح: كيف ومتى وبأي كلفة اقتصادية واجتماعية؟
من الطوارئ إلى الواقع طويل الأمد
عندما أقرت تركيا نظام الحماية المؤقتة عام 2014، كان الهدف واضحًا: إدارة حالة طوارئ إنسانية ناتجة عن تدفق جماعي مفاجئ، دون منح صفة اللجوء الكاملة، انسجامًا مع القيد الجغرافي الذي تطبقه أنقرة على اتفاقية جنيف. لم يكن هذا النظام مصممًا ليكون إطارًا دائمًا، بل حلًا مؤقتًا مرتبطًا بظروف استثنائية.
غير أن ما حدث خلال السنوات التالية هو تحوّل الوجود السوري من حالة طارئة إلى واقع اقتصادي واجتماعي معقد. ملايين السوريين دخلوا سوق العمل، أسسوا شركات، التحق أبناؤهم بالمدارس والجامعات، وارتبطت قطاعات إنتاجية كاملة بوجودهم. وهنا تحديدًا بدأ التحدي الحقيقي: كيف يمكن الخروج من إطار مؤقت دون إحداث صدمة اقتصادية؟
تسارع العودة… والمؤشر الاقتصادي
بعد عام 2024، تسارعت وتيرة العودة الطوعية إلى سوريا، وهو ما تؤكده الأرقام الرسمية والتصريحات الحكومية، رغم اختلافها تبعًا لفترات القياس. هذا الاختلاف لا يغيّر من الحقيقة الأساسية: العودة لم تعد حالات فردية، بل مسارًا متناميًا.
اقتصاديًا، كل موجة عودة واسعة تعني شيئًا واحدًا: فراغًا في سوق العمل، خصوصًا في القطاعات كثيفة العمالة مثل البناء، والنسيج، والزراعة، والخدمات. هذه القطاعات تعتمد منذ سنوات على اليد العاملة السورية، وغالبًا في وظائف لا تلقى إقبالًا كافيًا من العمالة المحلية. أي خروج سريع وغير منظم لهذه العمالة سيترجم مباشرة بارتفاع في تكاليف الإنتاج، وضغوط تضخمية، وربما انتقال بعض الأنشطة خارج تركيا.
السوريون… عبء أم رافعة اقتصادية؟
الخطاب العام غالبًا ما يختزل الوجود السوري في كلفة الخدمات والمساعدات، لكنه يتجاهل جانبًا مهمًا: السوريون أسسوا عشرات الآلاف من الشركات في تركيا، بينها آلاف الشركات الصناعية. هذه الشركات خلقت فرص عمل، دفعت ضرائب ورسومًا، وبنت جسورًا تجارية مع العالم العربي.
إن خسارة هذا الرصيد دفعة واحدة، أو دفعه للخروج دون مسار انتقالي منظم، لا تمثل مكسبًا اقتصاديًا لتركيا، بل على العكس، قد تؤدي إلى إغلاق شركات صغيرة ومتوسطة، وتفكك سلاسل توريد محلية، خاصة في الولايات الصناعية.
الصحة… بداية التحول الفعلي
أوضح مؤشر على التحول في سياسات الحماية المؤقتة يتمثل في ملف الصحة. فاعتبارًا من عام 2026، بدأت تركيا بالانتقال من نموذج الرعاية شبه المجانية إلى نموذج قائم على المساهمة المالية وربط الخدمات بالضمان الاجتماعي، مع الإبقاء على آليات حماية للفئات غير القادرة.
هذا القرار لا يمكن قراءته كإجراء إداري معزول، بل كجزء من فلسفة جديدة لإدارة الملف: تخفيف العبء عن الموازنة العامة، تشجيع العمل النظامي، والانتقال من منطق “الدعم” إلى منطق “المشاركة”. لكنه في الوقت نفسه يفرض ضغوطًا إضافية على الأسر السورية الهشة، وقد يسرّع قرارات العودة لدى شريحة واسعة منها.
هل ستُلغى الحماية المؤقتة؟
من الناحية القانونية، الحماية المؤقتة بطبيعتها وضع قابل للإنهاء متى انتفت مبرراته. لكن التجربة التركية خلال السنوات الماضية تشير بوضوح إلى أن أنقرة لا تميل إلى القرارات المفاجئة في هذا الملف. وحتى الآن، لا يوجد قرار رسمي معلن يقضي بإلغاء الحماية المؤقتة دفعة واحدة، بل توجد مؤشرات قوية على مسار تدريجي لإعادة هيكلتها وتقليصها.
السيناريو الأكثر واقعية ليس الإلغاء المفاجئ، بل الانتقال المنظم إلى أوضاع قانونية بديلة، تقوم على ربط الإقامة بالعمل، أو الاستثمار، أو الإقامة طويلة الأمد، وفق معايير واضحة وفترات انتقالية مدروسة.
الانتقال المنظم… الخيار الأقل كلفة
من منظور اقتصادي وسياساتي، يبدو أن الانتقال المنظم هو الخيار الأكثر عقلانية. فهو يسمح لتركيا بالحفاظ على اليد العاملة المنتجة، وتنظيم سوق العمل، وتقليص الاقتصاد غير الرسمي، وزيادة الإيرادات الضريبية والتأمينية، دون خسارة مفاجئة لرأس مال بشري واقتصادي تشكل خلال سنوات.
في المقابل، يمنح هذا المسار السوريين أفقًا قانونيًا واضحًا، يمكّنهم من اتخاذ قرارات عقلانية بين البقاء والعودة، بعيدًا عن حالة الضبابية التي رافقت وضع الحماية المؤقتة لسنوات.
خلاصة القول
ملف السوريين في تركيا لم يعد ملفًا إنسانيًا فقط، بل ملف اقتصاد سياسي بامتياز. الحماية المؤقتة أدت دورها في مرحلة معينة، لكنها لم تعد الأداة الأنسب للمرحلة المقبلة. غير أن إنهاءها دون بدائل مدروسة سيحوّل التحدي إلى أزمة جديدة.
السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة. فإما أن يُدار هذا التحول بعقلانية وتدرج ورؤية اقتصادية واضحة، ليصبح فرصة لتركيا وسوريا معًا، أو يُترك للتجاذبات والانفعالات، فتكون كلفته أعلى على الجميع.
مشاهدة السوريون في تركيا أمام مرحلة جديدة التحول من الطوارئ إلى السياسات
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ السوريون في تركيا أمام مرحلة جديدة التحول من الطوارئ إلى السياسات قد تم نشرة ومتواجد على قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد على ترك برس ( الشرق الأوسط ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، السوريون في تركيا أمام مرحلة جديدة: التحول من الطوارئ إلى السياسات.
في الموقع ايضا :