السلاح النووي… حين تحوّلت الفيزياء إلى سياسة قراءة في أخطر اختراع عرفته البشرية بين الردع والفناء والطاقة السلمية لم يولد السلاح النووي بوصفه أداة قتل، بل وُلد في مختبرات الفيزياء، حيث كان العلماء يبحثون في أسرار الذرة وقوانينها الأساسية. غير أن اللحظة التي أدرك فيها الإنسان أن انشطار الذرة قادر على إطلاق طاقة تفوق كل ما عرفته الحروب السابقة، كانت اللحظة التي انتقلت فيها المعرفة من حقل العلم إلى ميدان السياسة. منذ ذلك الحين لم يعد الصراع بين الدول مسألة حدود أو جيوش، بل أصبح تهديدًا مباشرًا لوجود البشرية نفسها. السلاح النووي ليس قنبلة أكبر حجمًا ولا أكثر تدميرًا فحسب، بل تحوّل نوعي في مفهوم العنف المنظم. انفجار نووي واحد قادر على محو مدينة كاملة خلال ثوانٍ، وإحداث آثار تمتد لعقود: حرارة تفوق ملايين الدرجات، موجة صدم مدمّرة، إشعاع مؤين، وتلوّث بيئي طويل الأمد. هذه الخصائص جعلت النووي سلاحًا مختلفًا جذريًا عن أي سلاح تقليدي، لأنه لا يستهدف الجيوش فقط بل المجتمعات والدول ككيانات حية. ظهر هذا السلاح في سياق الحرب العالمية الثانية، حين دخلت الولايات المتحدة سباقًا علميًا مع ألمانيا النازية ضمن ما عُرف بمشروع مانهاتن. كان الخوف هو المحرك الأول، والخشية من أن يسبق الخصم إلى امتلاك هذا السلاح الحاسم. ومع نهاية الحرب في أوروبا، بقي السؤال الأخطر معلّقًا: ماذا نفعل بقوة لم يسبق للبشرية أن امتلكت مثلها؟ الجواب جاء في آب 1945، حين استُخدم السلاح النووي لأول وآخر مرة في التاريخ العسكري ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. لم يكن ذلك مجرد قرار لإنهاء الحرب، بل رسالة استراتيجية عالمية مفادها أن ميزان القوة قد تغيّر إلى الأبد. خلال لحظات تحوّلت مدن مأهولة بالمدنيين إلى رماد، وسقط عشرات الآلاف قتلى فورًا، بينما استمر الموت لسنوات بسبب الإشعاع والأمراض المرتبطة به. ذلك الاستخدام لم يترك أثرًا عسكريًا فقط، بل جرحًا أخلاقيًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية. منذ تلك اللحظة أدرك العالم أن السلاح النووي لا يمكن التعامل معه كسلاح عادي، وأن استخدامه مرة ثانية قد يعني نهاية كل شيء. هنا وُلد مفهوم الردع النووي، لا بوصفه دعوة للحرب، بل كآلية لمنعها عبر الخوف المتبادل. في زمن الحرب الباردة، عاش العالم على حافة الفناء. صواريخ عابرة للقارات، رؤوس نووية جاهزة للإطلاق خلال دقائق، ونظام دولي قائم على معادلة "توازن الرعب”. لم يكن السلام نتيجة تفاهم، بل نتيجة إدراك مشترك بأن أي خطأ أو سوء تقدير قد يقود إلى دمار شامل. ورغم مرور العالم من أزمات كبرى، فإن النووي لم يُستخدم مرة أخرى، ليس لأن البشرية أصبحت أكثر أخلاقية، بل لأن كلفة استخدامه باتت غير قابلة للاحتواء. غير أن خطر السلاح النووي لا يكمن فقط في الضغط على زر الإطلاق، بل في سباقات التسلح، وانتشار التكنولوجيا، وتآكل منظومات الضبط الدولية. هذا السلاح بطبيعته لا يميّز بين عسكري ومدني، ولا بين هدف عسكري وبنية حياة. هو سلاح يضرب فكرة المجتمع ذاتها، ويحوّل الحرب من مواجهة محدودة إلى تهديد وجودي. ومع ذلك، فإن الوجه الآخر للنووي لا يمكن تجاهله. الطاقة النووية السلمية، التي خرجت من رحم السلاح نفسه، أصبحت واحدة من أهم مصادر الطاقة في العالم. المفاعلات النووية تولّد الكهرباء لملايين البشر، وتوفّر طاقة مستقرة قليلة الانبعاثات مقارنة بالوقود الأحفوري. الطب النووي ساهم في علاج السرطان وتشخيص الأمراض، والزراعة والصناعة والبحث العلمي استفادت من التطبيقات الإشعاعية في مجالات واسعة. هذا التناقض هو جوهر القضية النووية. الذرة نفسها التي دمّرت مدنًا كاملة، تُستخدم اليوم لإنقاذ الأرواح وتغذية الاقتصادات. المشكلة لم تكن يومًا في العلم، بل في كيفية توظيفه سياسيًا وأخلاقيًا. ومع ذلك، حتى الاستخدام السلمي للطاقة النووية لا يخلو من المخاطر، كما أثبتت كوارث كبرى نتيجة أخطاء تقنية أو إهمال إداري، ما جعل النووي السلمي محاطًا دائمًا بالحذر والقلق. في المشهد الدولي الراهن، يعود النووي إلى الواجهة بوصفه أداة ضغط سياسي أكثر منه خيارًا للاستخدام. الحديث المتزايد عن الردع والقدرات النووية يعكس أزمة أعمق في النظام الدولي، حيث تتراجع الثقة، وتضعف الاتفاقيات، ويعود منطق القوة إلى الواجهة. النووي هنا يصبح رمزًا لغياب الأمان العالمي بقدر ما هو ضمان له. وتبرز في هذا السياق معادلة السباق النووي غير المعلن، حيث تتحول القدرة النووية أو القرب منها إلى ورقة تفاوض استراتيجية. الملف الإيراني مثال واضح على ذلك. فالقضية لا تتعلق فقط بسلاح محتمل، بل بموقع إقليمي، وبقدرة على فرض شروط السياسة من خلال قوة كامنة. الخطر الحقيقي لا يكمن في القنبلة ذاتها، بل في اتساع دائرة الشك، وتآكل منظومات الردع والضبط، وازدياد احتمالات الخطأ أو سوء الحساب. خاتمة في المحصلة، لم يعد السلاح النووي مجرد أداة عسكرية، بل مرآة تعكس أزمة النظام الدولي وحدود العقل السياسي المعاصر. الردع نجح حتى الآن لأنه قام على الخوف المتبادل لا على الحكمة، لكنه يظل معادلة هشّة لا تضمن المستقبل. السباق النووي، المعلن والخفي، يكشف أن العالم لم يحسم بعد علاقته مع أخطر قوة أنتجها بنفسه. يبقى الخيار الإنساني الوحيد هو إعادة توجيه المعرفة النووية نحو الاستخدام السلمي، وتحويل الذرة من أداة فناء إلى أداة حياة، مع تحصين السياسة بالأخلاق قبل تحصينها بالصواريخ. فالسؤال لم يعد من يمتلك السلاح النووي، بل من يملك الوعي الكافي كي لا يحوّله إلى نهاية مشتركة للبشرية جمعاء. زياد فرحان المجالي .
مشاهدة السلاح النووي hellip حين تحو لت الفيزياء إلى سياسة
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ السلاح النووي حين تحو لت الفيزياء إلى سياسة قد تم نشرة ومتواجد على قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد علىجو 24 ( الأردن ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.