في مثل هذا اليوم من تشرين 2019، خرج اللبنانيون
إلى الشوارع على وقع غضبٍ حقيقي تراكم بفعل أزمات اقتصادية ومالية خانقة. ما بدأ بشعار «كلّن يعني كلّن» تحوّل سريعًا إلى موجةٍ من الفوضى، تداخلت فيها العناوين المطلبية مع الحسابات السياسية، واندسّت في صفوفها قوى منظمة كانت تعرف جيدًا إلى أين تريد الوصول.خلف الشعارات البراقة، كان هناك مشهد آخر يُحضَّر: انهيار النظام المالي عبر تهريبٍ ممنهج للأموال من المصارف، وتفريغ الدولة من مؤسساتها، وشيطنة كل محاولة لإصلاحٍ جديّ.
كانت تلك المرحلة، التي رُوِّج لها كثورة، أقرب إلى عملية تفكيك منظَّمة لركائز الدولة، بدأت بإسقاط الثقة بالحكومة، مرورًا بتعطيل المؤسسات، وصولًا إلى تدمير الثقة الدولية بلبنان. وبينما كان الشارع يُغلق الطرقات ، كانت المصارف تُقفل أبوابها سرًّا على أموال المودعين وتفتحها سرًّا على حسابات النافذين في الخارج.
استهداف العهد والتيار الوطني الحرّ
في قلب تلك العاصفة، جرى توجيه السهام نحو العهد والتيار الوطني الحرّ باعتبارهما الحلقة الأقوى في السلطة التنفيذية آنذاك، والأكثر تمسّكًا بخيار بناء الدولة ومكافحة الفساد البنيوي. جرى تحميل الرئيس ميشال عون مسؤولية عقودٍ من السياسات التي سبقت عهده بعقود، فيما صُوّر جبران باسيل كرمزٍ لكلّ فسادٍ ومشكلة في البلاد.لكنّ الحقيقة كانت مختلفة تمامًا: فمشروع التيار الذي واجه منظومة التلزيمات والصفقات والمحميات المالية، هو نفسه الذي استُهدف بالتشويه لأنّه لامس جوهر النظام الزبائني الذي راكم الثروات على حساب الدولة.
كانت حرب الإقصاء والتشويه ممنهجة: حملة إعلامية شرسة، تضليلٌ منظم على مواقع التواصل، وشيطنة متواصلة لكلّ مبادرة إصلاحية أو طرح سياسي يُقدّمه التيار. ومع ذلك، لم ينهزم، بل خرج من التجربة أكثر تماسكًا في خطابه، وأكثر وضوحًا في تحديد خصومه، وأكثر اقتناعًا بأنّ معركة بناء الدولة لا يمكن أن تُخاض إلا من داخل مشروعٍ إصلاحي صلب، لا من الشارع ولا عبر التحريض.
التيار، الذي صمد في وجه حربٍ سياسية وإعلامية ومالية، أثبت أنّه تيار الفكرة لا المنصب، والمشروع لا التسوية. فخرج من «ثورة» الاستهداف أكثر قوة وثباتًا، فيما سقطت شعارات كثيرة أمام أول اختبارٍ حقيقي للثبات على المبدأ.
الحرب الإعلامية وتضليل الرأي العام
لم تكن معركة 17 تشرين محصورة في الشارع أو في الاقتصاد فحسب، بل امتدّت إلى الفضاء الإعلامي حيث شُنّت حملة تضليل غير مسبوقة. لعبت وسائل إعلامٍ محلية وخارجية دورًا مركزيًا في توجيه الغضب الشعبي نحو وجهةٍ واحدة: التيار الوطني الحرّ والعهد. تمّ اجتزاء الحقائق، وتكرار الصور والشعارات التي تُحمّل فريقًا واحدًا مسؤولية الانهيار، فيما جرى التعتيم على الأسماء والمصارف والسياسيين الذين هرّبوا أموالهم وأداروا الانهيار من وراء الستار.في المقابل، تعرّض الإعلام الوطني المقاوم للتشويه والاتهام بالولاء، فقط لأنه رفض الانخراط في جوقة المزايدات. ومع مرور الوقت، تبيّن أنّ كثيرًا من المنابر التي قادت «الثورة الإعلامية» كانت تتلقى تمويلاً سياسياً مباشراً، هدفه الحفاظ على مواقع المنظومة القديمة بوجه مشروع الإصلاح الفعلي.
كان ملف النازحين السوريين أحد أبرز العناوين التي تعرّض فيها العهد والتيار الوطني الحر للهجوم، خصوصًا بعد مطالبة النائب جبران باسيل بعودة آمنة ومنظمة للنازحينلم يكن موقفه مجرد ملف إنساني، بل اختبارًا للسيادة اللبنانية وقدرة الدولة على إدارة أزماتها. طالب باسيل بأن تكون العودة منظمة ومضمونة دوليًا، بما يضمن حماية لبنان من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتصاعدة، ويوازن بين حقوق النازحين ومصالح الدولة والمواطن اللبناني.
هذا الموقف جعل باسيل مستهدفًا سياسيًا بشكل مباشر: تم تصويره كعنصري ومناهض للإنسانية، بينما تجاهلت الحملات الإعلامية والحقوقية الدور الحقيقي للسياسات الوطنية في حماية لبنان. هكذا، تحوّل الملف إلى أداة تشويه سياسية ضد التيار الوطني الحرّ، ضمن حملة أشمل لإضعاف العهد وتقويض أي مشروع إصلاحي يضع الدولة والمواطن أولًا.
اليوم، بعد أن بدأت أبعاد الخطر الوجودي للبنان تتضح، يتبيّن أنّ مواقف باسيل كانت في صلب الاستراتيجية الوطنية لحماية السيادة والأمن والاستقرار الاقتصادي، وأن الهجوم عليه كان سياسيًا بحتًا .تداعيات 17 تشرين لم تكن اقتصادية فحسب، بل أصابت بنية الدولة برمّتها. الثقة بالقطاع المصرفي تبخّرت، والطبقة الوسطى تآكلت، والعلاقات بين المكوّنات اللبنانية اهتزّت على وقع الانقسام والتحريض. ومع الانهيار المالي، فُتح الباب واسعًا أمام مشاريع خارجية أرادت للبنان أن يغرق في فوضى تُبرّر إعادة رسم خرائط النفوذ.
اليوم، وبعد مرور ستّ سنوات، يتّضح أكثر أنّ ما جرى لم يكن مجرّد صدفة. فالتزامن بين تصفية الحسابات الداخلية، وتفجير الأزمة الاقتصادية، وتحوّل لبنان إلى ساحة مواجهة بين محاور، ليس معزولًا عن المشهد الإقليمي. ومن يتأمّل تطوّرات الحرب الإسرائيلية الراهنة، يدرك أنّ استهداف لبنان لم يتوقف منذ تشرين 2019، بل تغيّرت وسائله وأدواته فقط.
تجربة 17 تشرين كشفت وجوهًا كثيرة: من ادّعى الثورة ليتحصّن بالسلطة لاحقًا، ومن رفع شعارات الإصلاح ليغطّي تهريب الأموال، ومن ركب الموجة لإقصاء خصومه لا لإنقاذ وطنه.لكنّها أيضًا كشفت صلابة التيار الوطني الحرّ في مواجهة العاصفة. تيارٌ خاض حربًا سياسية وإعلامية واقتصادية ضده، خرج منها أكثر إدراكًا لحجم المعركة على هوية لبنان ودوره، وأكثر إصرارًا على متابعة مشروع الدولة العادلة والسيادة الفعلية.
في النهاية، لم تكن «ثورة» 17 تشرين حدثًا عابرًا، بل فصلًا من فصول الصراع على لبنان: أيّ لبنان نريد؟ لبنان الدولة أم لبنان الفوضى؟ولعلّ الجواب الحقيقي بدأ يتبلور اليوم، مع إدراك اللبنانيين أنّ الطريق إلى الإنقاذ لا تمرّ عبر الشارع الموجَّه ولا عبر الخارج، بل عبر وعيٍ وطني صادق، وتجربة تيارٍ أثبت أنّه، رغم الاستهداف، لا يزال محارباً صلباً ، واقفًا في قلب المعركة، يملك الرؤية، والذاكرة، وإرادة البناء.
* ناشطة سياسية
مشاهدة ١٧ تشرين عندما سقطت أقنعة التشويه رندا شمعون
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ ١٧ تشرين عندما سقطت أقنعة التشويه رندا شمعون قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد على Tayyar.org ( لبنان ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، ١٧ تشرين: عندما سقطت أقنعة التشويه! رندا شمعون.
في الموقع ايضا :
- أسماء المترشحين بالنظام الفردي عن الدوائر الانتخابية بنى سويف لانتخابات النواب
- أكتوبر «الوردي»!
- رخصة قيادة وعدم تعاطى المخدرات.. أبرز شروط تنظيم انتظار المركبات