إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من الأطراف إلى المركز ...الشرق الأوسط

ترك برس - اخبار عربية
إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من الأطراف إلى المركز

د. طالب عبد الجبار الدغيم - خاص ترك برس

تدخل سوريا في هذه المرحلة الدقيقة طوراً سياسياً وإدارياً جديداً، يتجاوز منطق إدارة الصراع إلى سؤال الدولة ووظيفتها وشكل حضورها في حياة المجتمع. فأعوام الثورة السورية الطويلة تركت دماراً مادياً وبشرياً واسعاً، وكشفت بوضوح هشاشة النموذج الإداري المركزي، والذي كان قائماً على المحسوبيات والقبضة الأمنية، وكان يُدار بمعزل عن الكفاءة والمساءلة، وعجزه عن الوصول إلى أطراف البلاد بالقدر الذي يحفظ توازن التنمية وتوفير الاحتياجات المحلية. ومع سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024م، وبدء مسارات البناء السياسي والأمني في سوريا الجديدة، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في بنية الحكم نفسها، باعتبارها إطاراً ناظماً للدولة، يُعاد بناؤه – هذه المرة - من الأطراف باتجاه المركز عبر الإدارة والخدمة والتنمية، ويؤسس لتوازن مستدام أكثر قدرة على الاستقرار طويل الأمد.

    ويظهر مفهوم اللامركزية الإدارية الرشيقة التي توفق بين وحدة الدولة وقرارها السيادي على المستوى السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، وبين تنوع الجغرافيا السورية وأهمية ممارسة مركزية مرنة "لا مركزية مرفقية وخدمية وشُرطية". فكثير من الدول الحديثة اعتمدت هذا النموذج الإداري نتيجة طبيعية لتجربة تاريخية أثبتت أن الدولة القوية تقوم بالمؤسسات القادرة على الوصول إلى الناس في مدنهم وأريافهم ومزارعهم الصغيرة، وبالتخلي عن حالة تكديس الصلاحيات في المركز.  

    اللامركزية الإدارية والخدمية؛ إعادة الدولة إلى المجتمع

    اللامركزية الإدارية في سوريا الجديدة قد تقوم على نقل الصلاحيات التنفيذية اليومية من المركز إلى المحافظات والإدارات المحلية، بما يشمل إدارة البلديات، والخدمات العامة، والبنية التحتية، والتعليم، والصحة، والمرافق الحيوية، والسلامة العامة للناس. وإن هذا النقل يعني إعادة تنظيم السلطة وفق مبدأ الكفاءة والاقتراب أكثر من من المواطن. فالمحافظة الأقدر على تحديد أولوياتها الخدمية، والأعلم بحاجات سكانها، تكون أكثر قدرة على الاستجابة السريعة، وأقل عرضة للبيروقراطية والتعطيل والفساد.

    وإن دسترة هذا الشكل من اللامركزية يشكل ضمانة أساسية لعدم تسييسها، فالنص الدستوري السوري يفترض أن يحدد صلاحيات المحافظات، وحدود تدخل المركز، وآليات الرقابة والمساءلة، وهو ما يمنع الانزلاق نحو الفوضى أو التنازع على الصلاحيات. وبهذا المعنى، تصبح اللامركزية الإدارية أداة لتعزيز الدولة، وهو ما يعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، ويجعل كل محافظة تحصل على حقوقها كاملة دون زيادة أو نقصان بموجب حجمها وأهميتها ومواردها.

    اللامركزية التنموية والاقتصادية؛ العدالة في توزيع الموارد

    أحد أبرز اختلالات الدولة السورية في عهد النظام البائد تمثّل في التفاوت التنموي بين المحافظات، حيث تركزت الاستثمارات والخدمات في المدن الكبرى بشكل أساسي، وفي الساحل السوري بشكل نسبي، بينما تُركت مناطق أخرى تعاني التهميش مثل إدلب وحماة والجزيرة السورية والسويداء. وبالتالي، اللامركزية التنموية تعالج هذا الخلل عبر منح المحافظات صلاحيات تخطيطية واقتصادية واسعة، تسمح لها بإدارة مواردها المحلية، واستقطاب الاستثمارات، ووضع خطط تنموية تتناسب مع خصوصياتها الزراعية أو الصناعية أو السياحية.

    تتطلب هذه المقاربة إطاراً دستورياً وقانونياً يضمن عدالة توزيع الثروات الوطنية، ويمنع تحوّل اللامركزية الاقتصادية إلى منافسة غير متوازنة بين المحافظات. فالدولة المركزية (المرنة) تبقى مسؤولة عن السياسة المالية العامة، والسياسة النقدية، والموارد السيادية الكبرى، بينما تُمنح الوحدات المحلية هامشاً فعلياً للتنمية. وإن هذا النموذج يعزز الاستقرار والرخاء الاجتماعي، ويخفف دوافع الاحتقان، وكذلك يحوّل التنمية إلى أداة للوفاق والاندماج الوطني.

    اللامركزية الأمنية وإدارة الجغرافيا في إطار الدولة

    تعد اللامركزية الأمنية من أكثر القضايا حساسية في السياق السوري، لما تحمله من هواجس مرتبطة باحتكار شرعية القرار العسكري والأمني. ونقصد في اللامركزية الأمنية ليس تعدد الجيوش أو تنوع الفاعلين العسكريين، وإنما هيكلة جهاز شرطة محلية ومهنية، وتكون خاضعة للقانون الوطني، ومتصلة بالمركز عبر منظومة قيادة موحدة. وفي هذا السياق، تبرز أهمية اتفاق العاشر من آذار مارس 2025، الذي أسس لاندماج «قسد» ضمن الدولة السورية على قاعدة الوحدة السياسية والأمنية والعسكرية، مقابل صيغ إدارية وأمنية محلية محددة. وكما تشكل التفاهمات التي رافقت الوساطة الأردنية الأمريكية في السويداء نموذجاً عملياً لإعادة الدمج عبر معالجة الهواجس الأمنية المحلية، ومنح صلاحيات شرطية وخدمية في ظل الشرعية الوطنية، ومثل هذه الحالة قد تكون دافعاً للاستقرار الأمني والقضاء على العابثين والتنظيمات المسلحة خارج إطار الدولة وعصابات الكبتاجون. وتكون هذه الصيغة مناسبة لحالة سوريا ما بعد نظام الأسد، دولة مركزية مرنة وصلاحيات لدى السلطات المحلية في إطار قانوني وطني.

    إن إعادة بناء الدولة السورية في مرحلة ما بعد الحرب لا يمكن أن تنطلق من المركز وحده، وإنما من الأطراف باتجاهه، عبر استعادة وظيفة الدولة وأدوارها، وترميم العلاقة بين السلطة والمجتمع. فالدولة التي يتم بناؤها من القاعدة إلى القمة تكون أكثر تماسكاً، وأكثر قدرة على الاستمرار، لأنها تنبع من احتياجات الناس. وفي هذا الإطار، تمثّل اللامركزية الرشيقة (المرنة) آلية منطقية وواقعية لإعادة إدماج الجغرافيا السورية في مشروع وطني مرضٍ، دون تهميش ولا إقصاء لأي مكون سوري أو لأي منطقة. وخلق دولة قوية قادرة على استيعاب التنوع الاجتماعي والمناطقي، تحت سقف وطني واحد يحفظ وحدة السيادة والقرار، وينهي السرديات الكبرى والأحلام لدى بعض الحالمين من الانفصاليين والطائفيين. وهكذا، فإن هذا النموذج يحدّ من أسباب الاحتقان، وينهي حالة الحرب والاستنزاف، ويغلق الفراغات التي طالما استثمرتها الجماعات الخارجة عن القانون، والأطراف الإقليمية والدولية.

    مشاهدة إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من الأطراف إلى المركز

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من الأطراف إلى المركز قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد على ترك برس ( الشرق الأوسط ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

    التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

    وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، إعادة بناء الدولة السورية الجديدة من الأطراف إلى المركز.

    Apple Storegoogle play

    آخر تحديث :

    في الموقع ايضا :

    الاكثر مشاهدة في اخبار عربية


    اخر الاخبار