تحليل: ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن: ماذا بعد؟ ..اخبار محلية

يمن فيوتشر - اخبار محلية
تحليل: ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن: ماذا بعد؟

في 10 مارس/ آذار 2024، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وبشكل مفاجئ، وفاة زعيمه خالد باطرفي وتنصيب القيادي سعد العولقي خلفا له. لم يفصح بيان القاعدة الرسمي الذي ألقاه القيادي الجهادي خبيب السوداني، عن أي تفاصيل إضافية حول سبب وفاة باطرفي، ولعلها المرة الأولى التي يلف فيها كل هذا الغموض خبر رحيل أحد زعماء القاعدة، إذ لطالما كان الجانب الأمريكي هو من يبادر إلى إعلان خبر اغتيال القادة الجهاديين -كما حدث مع الزعيمين السابقين لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي و قاسم الريمي، وأيضا زعيميّ التنظيم الأمّ أسامة بن لادن و أيمن الظواهري- ثم يقوم التنظيم بنفي الخبر لاحقا أو تأكيده وإعلان الأمير الجديد. بالنسبة لفرع التنظيم في اليمن، اتسمت عملية تنصيب العولقي بالسرعة والسلاسة وهو ما خالف كثير من التوقعات بسبب معلومات عن خلافات داخلية على تنصيب القيادي اليمني.[1]

ستحاول هذه الورقة تقديم خلفية موجزة عن مسيرة صعود القياديين باطرفي و العولقي إلى قمة هرم التنظيم في اليمن، وشرح طبيعة العلاقة التنافسية التي جمعت بينهما خلال السنوات الأخيرة. كما ستتقصى ملابسات رحيل باطرفي ومسار تنصيب العولقي وانعكاسات ذلك على السلوك المستقبلي والتوجّه الاستراتيجي لتنظيم القاعدة في اليمن، وذلك بالاستناد إلى المعلومات الحصرية التي تم الحصول عليها من ثلاثة مصادر جهادية رفيعة داخل التنظيم،[2] إضافة إلى قيادي جهادي سابق في قاعدة اليمن ومصدرين محليين مقربين من التنظيم، وبالاستعانة أيضا بالتقارير والأخبار والدراسات المنشورة.

     

    •باطرفي و العولقي: تنافس الأقرانفي فبراير/ شباط 2020، تحدّت قيادة القاعدة كافة الظروف الأمنية المحيطة بها في اليمن بسبب الحرب والملاحقة المستمرة من الولايات المتحدة، ودعت أعضاء مجلس شورى التنظيم إلى الاجتماع بشكل عاجل في مقرها الحصين -آنذاك – بمحافظة البيضاء، فقد قُتل زعيم التنظيم قاسم الريمي بغارة أمريكية في 31 يناير/ كانون الثاني وتوجّب على الفور تعيين خليفة له.

    بالتوازي مع تحركات القادة الجهاديين على الأرض، كثفت الولايات المتحدة من تحركاتها الجوية ونشاطها الاستخباراتي على أمل اصطياد المزيد من رؤوس التنظيم. انصب التركيز على اسمين رئيسيين: سعد العولقي وخالد باطرفي، حيث تم إدراجهما في نفس الشهر على قائمة برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية[3] – الذي يعرض مكافأة مالية مقابل الحصول على معلومات – وألقت الطائرات الأمريكية بمنشورات ورقية على مناطق من محافظة البيضاء لتعريف المواطنين بصورة القياديين وشرح آلية التبليغ عنهما والتذكير بالجائزة المالية المُجزية.[4] تعاملت القيادة الأمريكية مع الرجلين باعتبارهما تهديدا متماثلا تقريبا، مع عرض مكافأة مالية أكثر قليلاً على باطرفي.

    في غضون ذلك، شهدت الأوساط الجهادية داخل التنظيم استقطابا حادا بين أنصار المرشّحيْن، واستغرقت مداولات ونقاشات مجلس شورى التنظيم نحو ثلاثة أسابيع للتوصل إلى قرار. في البداية، كانت التوقعات تصب في مصلحة العولقي، كونه امتدادا طبيعيا لتقليد الزعامة اليمنية داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تكرّس في حقبة الوحيشي والريمي. كما كان ترشيح العولقي، بحُكم نشاطه الميداني وصلاته التنظيمية، موضع توافق واسع على مستوى القيادة العليا للقاعدة، وعلى مستوى العناصر والمجندين العاملين على الأرض.[5]

    إلا أن الأمور لم تَسر وفق التوقعات، فَقد ظهر تحالف تنظيمي ضم ثلاثة تيارات وازنة عملت على ترجيح كفة باطرفي: تيار السعوديين والحضارم بقيادة حمد التميمي (وهو من أعلن بيان تنصيب باطرفي في 23 فبراير/ شباط 2020)؛ وتيار المصريين بقيادة إبراهيم البنا؛ و أخيرا رجال الزعيم السابق قاسم الريمي وحلقته المقربة بقيادة عمار الصنعاني. سيتضح لاحقا أن مهندس هذا التحالف الثلاثي من خلف الكواليس كان “سيف العدل”، القيادي المصري المقيم في إيران والزعيم الفعلي الحالي لتنظيم القاعدة.[6]

    لم ينجح هذا التحالف الثلاثي بترجيح فرص باطرفي وحسب، بل قوّض لاحقا دور العولقي في صناعة القرار داخل التنظيم. ومنذ ذلك الحين، انتهج العولقي موقفا رماديا إزاء القيادة الجديدة، إذ لم يتوانَ عن معارضة الكثير من قراراتها وانتقاد توجهها الاستراتيجي، لكنه في الوقت نفسه لم يتخذ أي موقف عدائي صريح يهدد شرعية باطرفي، ولم يُقدم على أي تحركات انشقاقية تُهدد وحدة التنظيم الداخلية.[7]

    بالمقابل، عمل القيادي خبيب السوداني كَمُطفئ للحرائق؛ فَكلما اشتد الخلاف الثنائي بين باطرفي والعولقي، بادر السوداني إلى التوسط ودعوة الرجلين إلى لقاء مغلق في مكان آمن لإجبارهما على الحوار. إستمرت آلية فض الخلاف هذه على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وأنقذت التنظيم عمليا وصانته من خطر الانقسام.[8]

    آخر لقاء مباشر بين الرجلين (باطرفي والعولقي) كان في يناير/ كانون الثاني 2024، حيث احتدم حينها النقاش حول بعض القضايا التنظيمية والمالية دون الوصول إلى أية نتيجة. في نهاية فبراير/ شباط، تلقى العولقي دعوة من السوداني لمشاورات عاجلة في إحدى ملاذات التنظيم الآمنة بمحافظة مأرب، وحين وصل العولقي إلى هناك تفاجأ أن سبب الدعوة لم يكن مصالحته مع باطرفي، بل تحضيره لتسلّم زمام القيادة.[9]

     

    •سلسلة من الوفيات المريبة داخل التنظيمشهدت الحالة الصحية لخالد باطرفي تدهورا مستمرا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. بالعادة، لا تتلقى قيادات التنظيم الرفيعة العلاج إلا من خلال اللجنة الطبية التابعة للتنظيم، ولكن حين تكون الحالة الصحية مستعصية يُضطر التنظيم لإسعاف قياداته إلى أفضل مستشفى متاح وقريب من ملاذاتهم الآمنة.[10] حدث ذلك في العام 2020، حين اضطر التنظيم إلى إسعاف قاسم الريمي خارج معاقله في محافظة البيضاء وهو ما أدى – على ما يبدو – إلى انكشافه وسهّل تصفيته في غارة بطائرة أمريكية مسيرة. رغم توجّس المسؤولين الأمنيين للقاعدة من هذا الخيار ومحاولتهم الدائمة لتجنبه، إلا أنهم اضطروا خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من حياته إلى إسعاف باطرفي مرتين لإحدى المشافي الواقعة خارج ملاذات التنظيم الآمنة بسبب مشاكل في الكبد.[11]

    بعد إسعافه للمرة الأولى، شهدت الحالة الصحية لباطرفي استقرارا ملحوظا استمر لأسابيع قبل أن يتعرض لانتكاسة أشد ويضطر التنظيم لإسعافه للمرة الثانية دون أي تحسن في حالته. ظل الوضع الصحي لزعيم القاعدة يتدهور بصورة مضطردة إلى أن توفي “على فراشه”،[12] وبحسب نفس القيادات الرفيعة في التنظيم التي تم الاستعانة بها كمصادر، يتراوح تاريخ وفاته بين (28 فبراير/ شباط و 1 مارس/ آذار).[13]

    لم يُعرف بشكل دقيق طبيعة المرض الذي ألمّ بباطرفي، حيث ذكر بعض المقربين منه أن الرجل لم يكن له تاريخ مَرضي متصل بالكبد،[14] ولعل هذا ما دفع عددا من قيادات الصف الأول إلى عدم قبول رواية “وفاته لأسباب طبيعية” خاصة أن موته كان مفاجئاً، وفي مقدمتهم المسؤول الأمني إبراهيم البنا[15] الذي ساورته الشكوك بتعرّض زعيم القاعدة لعملية تسميم منذ أن تم إسعافه في المرة الأولى. ومع مرور الوقت، بدأت هذه الشكوك تساور القيادات الجهادية الأخرى.[16]

    فبعد أيام من وفاة باطرفي، قُتل القيادي الجهادي سليمان بن داؤود الصنعاني في حادث مروري تعرض له في إحدى الطرق الرابطة بين محافظتي أبين وشبوة جنوبيّ اليمن، علماً أن الصنعاني يُعدّ من أبرز العناصر الميدانية للقاعدة وأحد الخبراء المسؤولين عن سلاح الطيران المسير، والمحسوبين من ضمن دائرة نفوذ سيف العدل.[17] لاحقاً، في منتصف مارس/آذار 2024، نَشب حريق كبير بأحد المنازل الواقعة في ريف محافظة مأرب كان يتخذه نجل سيف العدل، المكنى “ابن المدني”، مقرا مؤقتا لإقامته، وأسفر هذا الحريق عن إصابته ووفاته بعد بضعة أيام.[18]

    ساهم تسلسل حوادث الوفيات المفاجئة في تغذية الشكوك بوجود نمط من عمليات الاغتيال، لكن المصادر من داخل التنظيم قالت إن الزعيم الجديد لقاعدة اليمن سعد العولقي لا يبدو منشغلاً بالتحقيق في صحة هذه الفرضية، وهو ما يختلف عن التوجّه السابق للقيادة حين وجّه قاسم الريمي رسميا بتشكيل لجنة أمنية للتحقيق في ملابسات اغتيال الوحيشي وتحمُّل المسؤولية عن أية أوجه قصور أو إخفاقات.

    ما لم يفعله العولقي بدأ آخرون في فعله، حيث بادر إبراهيم البنا فعلا بالتحرك لتقفي خيوط الأحداث والتأكد من تورط أي من عناصر القاعدة في تسميم باطرفي أو اغتيال الصنعاني وابن المدني.[19] لم يحتج البنا إلى انتظار التكليف الرسمي من الأمير الجديد للقيام بالتحقيقات، فهو يستند إلى إرثه السابق باعتباره الرجل الذي نجح في كشف أكبر شبكة تجسس داخل تنظيم القاعدة عام 2018.[20] يراهن البنا على إمكانية التوصل إلى نتائج سريعة فيما يتعلق بواقعة وفاة باطرفي، وذلك نظرا لما شهدته تحركات الأخير من تقييد كبير منذ نوفمبر/ تشرين الثاني – على أقل تقدير – بسبب المشاكل الصحية والمحاذير الأمنية المتزايدة، وبالتالي لن يكون من المستعصي حصر الحلقة الضيقة التي احتكّت به ومن ثم تتبّع الشخصيات المشتبه بها والتحقيق معها.[21]

     

    •حيثيات تنصيب العولقي: عودة الإجماعكان حضور سعد العولقي كمُرشح محتمل لخلافة باطرفي بديهيا، لكن اللافت هو حالة الإجماع التي تبلورت حوله داخل مجلس شورى التنظيم وبين مختلف الأجنحة المتنافسة، وهو ما لم يكن متوقعا على الأرجح. فَالفترة الزمنية الفاصلة ما بين وفاة باطرفي ومبايعة العولقي لم تتجاوز الأسبوع، وهي مُقاربة للمدة الزمنية التي فصلت بين وفاة الوحيشي وتنصيب الريمي في 2015 (التي لم تتجاوز آنذاك 5 أيام)، بخلاف المدة الزمنية الطويلة الفاصلة بين مقتل الريمي وتنصيب باطرفي التي استغرقت أكثر من 20 يوماً.

    كان خبيب السوداني -الذي تولى مهام القيادة مؤقتا مع اشتداد مرض باطرفي وخلال الأيام التي تلت وفاته- العقل المدبر وراء الانتقال السلس لزعامة التنظيم، وذلك باعتباره عضو القيادة العامة للتنظيم في اليمن وكذلك عضو مجلس شورى التنظيم.[22] خلال هذه الفترة تحول السوداني من مطفئ للحرائق إلى صانع للأمراء، و لعب دورا محوريا في صياغة الإجماع حول العولقي.

    إلى جانب دور السوداني، برزت جملة من العوامل المساعدة لتنصيب العولقي في مقدمتها رصيده الجهادي وقدراته القيادية. انضم سعد العولقي –المتحدرة أصوله من شبوة- إلى تنظيم القاعدة في سن مبكرة وحظي بمكانة مُقربة من الزعيم المؤسس لفرع اليمن ناصر الوحيشي، حيث تشرّب نهجه التنظيمي والاستراتيجي القائم على ما يُعرف أحياناً بـ “يمننة قاعدة الجهاد” من خلال تعزيز علاقات التنظيم التحالفية مع الحواضن المحلية والقبلية، وتعزيز دور القيادات اليمنية على حساب الأجانب وتعظيم استقلالية الفرع اليمني عن القيادة المركزية للتنظيم، باعتبار ذلك السبيل الأنجع لتحقيق المرونة الهيكلية بما يسمح للفرع بالتكيف مع شتى الظروف الأمنية.[23]

    في 2011، كان العولقي أحد المؤسسين لتنظيم “أنصار الشريعة” -الظهير المحلي لتنظيم القاعدة- ثم تولى ولاية شبوة لمدة خمسة أعوام، حيث أُسندت إليه في نفس التوقيت العديد من المهام التنظيمية والعسكرية في المحافظات المجاورة (أبين، البيضاء، مأرب، وحضرموت). وقد دفعه هذا بقوة إلى الترقي ليصبح عضو القيادة العامة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعضو مجلس شورى التنظيم عام 2015 تقريباً.[24]

    خلال حقبة قاسم الريمي، لم يبرز أي منافس حقيقي أمام العولقي سوى الجهادي السعودي/ اليمني الأصل خالد باطرفي، الذي رجَحت كفته نظرا لشبكة تحالفاته التي ساندته. بدأ دور العولقي في صناعة القرار بالتراجع خلال حقبة باطرفي، فرغم أنه ظل قطبا مهما في توازنات القوى الداخلية للتنظيم إلا أنه لم يَعُد بنفس درجة التأثير، بل برزت على الساحة الجهادية نخبة قيادية جديدة من نفس جيل العولقي بدا أن لها نفوذا أكبر، ومن أبرز هذه الأسماء “حمد التميمي، عمار الصنعاني، حسان الحضرمي، وعبد الواحد النجدي”. شكل هؤلاء الأربعة خلية قيادية في تنظيم القاعدة كانت مسؤولة عن العمليات النوعية الخارجية والداخلية[25]، ولعبوا دورا مهما في ترجيح الكفة لصالح تنصيب باطرفي، وبالتالي كان من المنتظر أن يلعبوا دورا محوريا في تنصيب خليفته. لكن القدر كان حليف العولقي، حيث تمت تصفية جميع أعضاء هذه الخلية بغارات ...

    مشاهدة تحليل ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن ماذا بعد

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ تحليل ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن ماذا بعد قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد على يمن فيوتشر ( اليمن ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

    التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

    وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، تحليل: ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن: ماذا بعد؟.

    Apple Storegoogle play

    آخر تحديث :

    في الموقع ايضا :

    الاكثر مشاهدة في اخبار محلية


    اخر الاخبار