حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق قلم : محمد كرم ...المغرب

ازيلال 24 - اخبار عربية
حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق قلم : محمد كرم

حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق

 

     

     

    قلم : محمد كرم

     

     

     

     

     

     

     

    أسال موضوع حقوق الإنسان ببلادنا خلال الثلاثين سنة الأخيرة بشكل خاص الكثير من المداد و تشعب الحديث بشأنه حتى أننا لم نعد نسمع عن الحقوق المدنية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية الأساسية فحسب، بل أصبحنا نسمع حتى عن الحق في الارتداد عن الدين و الحق في الاختلاف بنوعيه السوي و الشاذ و حق النساء في التوفر "بزز" على كوطا تمثيلية معتبرة بالقطاعات الحكومية و المجالس المنتخبة و الحق في الإجهاض و الحق في إقامة علاقات رضائية و الحق في الإفطار العلني أثناء شهر رمضان حتى وسط الزحام و بالفضاءات العمومية المفتوحة ... و حتى الحق في تصوير عورات الناس و تسجيل أقوالهم دون علمهم.

    و بفضل المبادرات المسجلة هنا و هناك و الضغوطات الممارسة من قبل هذه الجهات أو تلك فقد توجت الجهود المبذولة في هذا المجال بمأسسة العمل الحقوقي مع إدراج مادة "حقوق الإنسان" ضمن المقررات المدرسية، كما كان من نتائج هذه الثورة الاجتماعية الهادئة ارتفاع وتيرة تناسل النقابات العمالية و الأحزاب السياسية و الجمعيات الثقافية و الهيئات الحقوقية.

    و طبعا لا يمكن لأي عاقل أن يستخف بهذه الإنجازات أو يشك في صدق نوايا صانعيها أو ينتقص من قيمة المساعي الرسمية و غير الرسمية الرامية إلى صون كرامة الإنسان و تعزيز ركائز دولة الحق و القانون.

    لكــــن، أليس من شأن تكريس ثقافة الحقوق دون ترسيخ ثقافة الواجبات على نحو مواز خلق مجتمع بعقلية عرجاء ؟ أليس من شأن هذه النظرة الأحادية الاتجاه أن تخلق مواطنا مدللا لا يتوقف عن الأخذ و المطالبة بالمزيد و لا يعطي في المقابل إلا في حدود ما يمليه عليه مزاجه ؟

    إن التوازن بين الحقوق و الواجبات هو الغاية الأسمى، و تحقيقه من أهم شروط تحقيق تنمية شاملة و مستدامة و تعايش اجتماعي سلس و بناء، و في غياب هذا الشرط ستظل مسيرتنا التنموية متعثرة و سيظل التفاعل بين مختلف مكونات المجتمع موسوما بالتوتر و التشنج بدليل العدد الهائل من القضايا ـ الحقيقية منها و التافهة على حد سواء ـ المعروضة على محاكم المملكة... و ستظل دار لقمان على حالها حتى و لو أصبح تعيين ولاة الجهات و عمال العمالات و الأقاليم و رؤساء الجامعات و مندوبي الوزارات الجهويين و الإقليميين و غيرهم من الموظفين السامين يتم بالاقتراع السري المباشر، و حتى لو اكتشف البترول و الغاز بالفعل و أوقفت الأمطار تمردها و عادت للتساقط بانتظام.

    و هكذا، من حق المواطنين المطالبة بتحسين الخدمات الإدارية و البلدية و التعميرية و الطبية و التعليمية و الأمنية ... لكن من واجبهم المساعدة على تحقيق ذلك بالتشبع بمبدأ التدرج و بالتمرس على الانتظام أمام المكاتب و الشبابيك و أداء الضرائب المستحقة للدولة و احترام القوانين الجاري بها العمل و المحافظة على البيئة و الأخلاق العامة و المرافق و التجهيزات العمومية.

    و من حق المأجورين و فئات عريضة من الموظفين العموميين المطالبة بتحسين ظروفهم المهنية و المادية و الاجتماعية، بل و من حقهم الدخول في إضراب محدود أو مفتوح عن العمل متى توفرت أسبابه ... لكن من واجبهم التفاني في القيام بمهامهم و احترام رؤسائهم و التقيد بالخطوط العريضة المنظمة لتدبير شؤون مقاولاتهم أو مؤسساتهم.

    و من حق كل سائق المطالبة بشق طرق جيدة و بمعاملة شرطية أو دركية لائقة ... لكن من واجبه احترام قانون السير و أعرافه (بما في ذلك تجنب السياقة بسرعة السلحفاة لأن السرعة تحت مستوى معين قد تكون أحيانا بنفس درجة خطورة الإفراط فيها).

    و من حق نوابنا و مستشارينا البرلمانيين المحترمين المطالبة بتعويضات تسمح لهم بمواجهة تكاليف تنقلاتهم و هندامهم و ولائمهم و أعمالهم الإحسانية (سواء كانت لوجه الله تعالى أو لأغراض انتخابية محضة)، و من حقهم أن يحظوا بالاحترام أينما حلوا و ارتحلوا بالنظر إلى وضعهم الاعتباري المتميز ... لكن من واجبهم التحلي بالنضج السياسي و الرفع من مستواهم الثقافي و التعبيري و الترافعي و تقديم مصالح البلاد و العباد على المصالح الشخصية و الحزبية و تفادي النوم على مقاعدهم (على الأقل أمام كاميرات التلفزيون) و الكف عن إعطاء صورة غير مشرفة عن المؤسسة التشريعية بتغيبهم شبه الدائم إلى درجة أن عدد الوزراء في بعض الجلسات يفوق عدد ممثلي الأمة (يكفي هنا أن نشير أنه في بداية صيف هذه السنة شهدت جلسة التصويت على مشروع قانون المسطرة الجنائية غياب 333 نائبا من أصل 395 نائبا و ذلك على الرغم من أهمية الحدث !!!!!) .

    و من حق ... لكن ...

    و من حق ... لكن ...

    لقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالا للشك بأن تكوين المواطن الصالح لا يتم بتمتيعه بحقوقه فقط بل يتحقق كذلك بحمله على القيام بواجباته لترجمة ثنائية الأخذ و العطاء على أرض الواقع. و هذا الأمر يجب أن يفرض فرضا بكل الوسائل الحضارية الممكنة الكفيلة بإعادة المخالفين و الأنانيين إلى رشدهم دون خدش كرامتهم. أما الحملات التحسيسية المتقطعة و المحتشمة فقد أكدت التجربة بأنها مجرد صيحة في واد.

    لن نجانب الصواب إذن إذا قلنا بأن الوضع الحالي ل "واجبات الإنسان" بوطننا العزيز يعرقل فعلا كل شيء و بأن من شأن تصحيحه أن يسمو ببلادنا إلى أعلى المراتب، كما من شأن تقويمه أن يغير الكثير على أكثر من صعيد، إذ يكفي مثلا أن نكف عن إزعاج السياح الأجانب و الهجوم على جيوبهم ليتضاعف عددهم و لتتحول مملكتنا إلى واحدة من أكثر الوجهات السياحية العالمية جاذبية (الحديث هنا عن السياح المحترمين و ليس عن حثالة الشرق و الغرب ممن يقصدوننا لدوافع ساقطة). فالمغرب له من المؤهلات الطبيعية و الحضارية ما يؤهله لبلوغ هذا الهدف. أما المؤهلات المادية فستتوفر آنذاك من تلقاء ذاتها لأن السلوك الجديد سيفتح باب الاستثمار في القطاع على مصراعيه، بل أنا على يقين بأن من ضمن السياح من هو مستعد لافتراش الأرض و التحاف السماء إذا لم يجد مأوى يأويه شريطة أن يعلم مسبقا بأنه ضيف مرحب به و بأنه لن يتعرض لأي شكل من أشكال المضايقة أو الأذى. و بعملية حسابية بسيطة يمكن أن نكون فكرة عن حجم الأرباح التي ستدرها هذه الثورة السياحية إن تحققت و عن مناصب الشغل التي ستخلقها و الآفاق التي ستفتحها.

    و نحن أمام هذه الصورة الباهتة جدا لواقع التربية المدنية بمجتمعنا لا يسعني إلا أن أؤكد على ضرورة إدماج التربية على "واجبات الإنسان" بشبكات برامج الإذاعة و التلفزيون و بالمقررات المدرسية و الجامعية، كما أغتنم هذه المناسبة للفت الانتباه إلى أن أي مشروع سياسي يروم تدبير الشأن العام لا يمكن أن يؤتي أكله إلا إذا أدرج ضمن أولوياته تربية المواطن أيضا و ليس الاكتفاء بتغذيته و إسكانه و تعليمه و تشغيله و توفير تغطية فعالة لمحموله.

    إن عملية التنمية بكل أبعادها عملية جماعية تشاركية و بالتالي من الضروري التخلص من العقلية السائدة التي تجرم المسؤولين الذين تعاقبوا على رأس مختلف القطاعات و المصالح و تعتبرهم السبب الوحيد في تردي الأوضاع.

    و قبل وضع نقطة النهاية علينا أن نتذكر دائما بأن حقوقنا ما هي في الواقع سوى واجبات الآخرين و بأن واجباتنا ما هي إلا حقوقهم، أي أن هناك عملية تبادل دائمة بتوقفها يختل المجتمع و تصبح الحياة ضربا من ضروب العبث. فالراجلون عندما يقومون بواجب التوقف عند إشارة الضوء الأخضر فهم بذلك يمنحون سائقي العربات فرصة ممارسة حقهم في المرور، و عندما يقوم كل واحد منا بواجب التزام الهدوء ليلا فإننا نمنح الجيران فرصة ممارسة حقهم الطبيعي في النوم، و عندما تقوم السلطات التربوية بزجر الغشاشين أثناء إجراء الامتحانات فإنها بذلك تمنح التلاميذ و الطلبة المجدين فرصة ممارستهم حقهم في التفوق ... و هكذا دواليك.

    هذا إذن هو المبدأ الذي من المفروض أن تسير وفقه الأمور و الذي بدونه ستظل هناك دائما فئة تبني و أخرى تهدم و لن يكون بوسع قطار تنميتنا الانتقال إلى السرعة الموالية أبدا.

    اقتراح ختامي : حبذا لو تفضلت مختلف المؤسسات و الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان بتغيير تسمياتها فقط بإحلال مصطلح "واجبات" محل مصطلح "حقوق" دون أن يتبع ذلك بالضرورة تغيير على مستوى الأهداف و استراتيجيات الاشتغال. من غير المستبعد في تصوري  أن يكون لهذا الإجراء وقع على ذهن المواطن و نفسيته و سلوكه لأن من شأن تعويد الأذن على التقاط كلمة "واجبات" تكريس ثقافة االعطاء أولا... و الله المستعان و عليه التكلان.

     

    مشاهدة حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق قلم محمد كرم

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق قلم محمد كرم قد تم نشرة اليوم ( ) ومتواجد على ازيلال 24 ( المغرب ) وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

    التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

    وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، حتى لا نهمل الواجبات في غمرة اللهث وراء الحقوق قلم : محمد كرم.

    Apple Storegoogle play

    آخر تحديث :

    في الموقع ايضا :

    الاكثر مشاهدة في اخبار عربية


    اخر الاخبار